
إذا كنت تشعر بأن هذه الانتخابات هي من أكثر الانتخابات “ركودًا” التي شهدتها، فأنت لست وحدك في ذلك.
يعيش العالم وسط أزمة وجودية حقيقية — التحالفات القديمة تتغير بشكل جذري — ومع ذلك، يبدو أن الحملة الانتخابية المحلية في أستراليا تفتقر إلى التفكير العميق أو الطموحات الكبيرة.
ورغم هذا الجو الفاتر، فإن القلق المتصاعد بين الناخبين الأستراليين يعكس شعورًا عامًا بعدم اليقين تجاه المستقبل، سواء على المستوى المحلي أو الدولي.
تشير أبحاث جديدة إلى ما نشعر به بشكل غير رسمي: الناخبون الأستراليون ليسوا منقسمين بشدة أو متحمسين بقوة، بل إنهم يعيشون حالة من الحيرة واللامبالاة في آنٍ واحد.
وبصراحة، نحن عكس الولايات المتحدة تمامًا. ففي حين أن الناس في أمريكا يعانون من انقسام سياسي حاد يجعلهم يرون السياسة فقط من منظورهم الحزبي، فإن الأستراليين أقل اندفاعًا وأقل تحيزًا أيضًا.
ورقة بحثية ستُصدرها الجامعة الوطنية الأسترالية (ANU)، وهي من أبرز الجامعات البحثية في البلاد، تستعرض كيف ينظر الأستراليون إلى الأحزاب السياسية ودور الحكومة مع اقتراب موعد الانتخابات الفيدرالية. وتعتمد هذه الورقة على بيانات استطلاعية تم جمعها في أكتوبر ويناير/فبراير ضمن سلسلة “مسح مراقبة الانتخابات 2025” التي تُجريها الجامعة.
وفي خبر يُعد مؤشراً إيجابيًا على صحة الديمقراطية الأسترالية مقارنة بعدة دول حول العالم، تُظهر الورقة أن أستراليا تسجل مستويات منخفضة من الاستقطاب، حيث أن غالبية أنصار أحد الحزبين الرئيسيين لديهم آراء معتدلة تجاه الحزب الآخر.
وتبني هذه الورقة على أبحاث سابقة أظهرت أن أستراليا هي الدولة الوحيدة من بين 17 دولة أظهرت اتجاهًا تنازليًا واضحًا في “الاستقطاب العاطفي”، أي درجة الكره أو النفور من الحزب الآخر لدى الناخبين.
وفي المقابل، أظهرت دول مثل كندا، والدنمارك، وهولندا، ونيوزيلندا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة اتجاهات تصاعدية في هذا النوع من الانقسام السياسي.
ويقول البروفيسور نيكولاس بيدل، أستاذ السياسة العامة والمشرف على البحث، إن هذا يعني أن الأستراليين لا يشعرون بالعداء الشديد تجاه الأحزاب الأخرى أو مؤيديها، وهو أمر نادر نسبيًا في المشهد السياسي المعاصر.
وبشكل عام، تُكافأ الأحزاب الأسترالية عندما تتجه نحو الوسط، وليس عندما تؤجج مشاعر الكراهية والانقسام بين قاعدتها المتشددة.
التوازن يحمي من التطرف
وهناك أسباب مؤسسية تفسر هذا التوازن في المشهد الأسترالي، من أبرزها نظام التصويت الإجباري والتفضيلي، الذي يتيح للناخبين التعبير عن استيائهم من الأحزاب الكبرى دون أن تفقد أصواتهم تأثيرها. كما أن وجود لجنة انتخابية مستقلة وموثوقة — اللجنة الانتخابية الأسترالية — يرسّخ الثقة العامة في العملية الديمقراطية.
وفي الوقت الذي تشهد فيه الولايات المتحدة تصاعدًا في التوجهات المتطرفة والانقسام الحاد، يبدو أن النظام الأسترالي يُبقي هذه النزعات تحت رقابة فعّالة.
كما أن المخاوف من ما يحدث على الساحة الدولية — خاصة في الولايات المتحدة — تؤثر في النقاش المحلي، وغالبًا ما تصب في مصلحة الحكومة الحالية. ففي الأسبوع الماضي، صعّد حزب العمال، وهو الحزب اليساري الرئيسي في أستراليا، هجماته على زعيم حزب الأحرار المحافظ، بيتر داتون، متهمًا إياه بالسعي إلى “أمركة” أستراليا، أي تقليد السياسات الأمريكية المثيرة للجدل.
وأصبح مصطلح “الأمركة” أداة رئيسية في الخطاب السياسي لحزب العمال. حيث هاجم وزير الخزانة جيم تشالمرز داتون قائلًا إنه يصنع “كارثة DOGEy تلو الأخرى”، في إشارة ساخرة إلى ما يسمى بـ”وزارة الكفاءة الحكومية” في الولايات المتحدة، وهي تسمية تهكمية لما يحدث من تخفيضات حادة في عدد موظفي الخدمة العامة هناك، مستوحاة من سياسات مثل تلك التي اتبعها دونالد ترامب، أو قرارات إيلون ماسك بتسريح الموظفين بعد استحواذه على منصات رقمية.
وقال تشالمرز: “رد داتون على التعريفات الجمركية الأمريكية المفروضة على جميع الدول هو فرض ضرائب أعلى على كل دافع ضرائب أسترالي، إنه يواجه الجنون الاقتصادي بالجنون الاقتصادي، ويأخذ إشاراته مباشرة من الولايات المتحدة، بكارثة DOGEy تلو الأخرى.”