شارك مع أصدقائك

 

رغم حديث اليابان وأستراليا عن “الردع الجماعي”، إلا أن غياب الأهداف المحددة يجعل العلاقة الدفاعية بينهما بحاجة إلى توجيه أوضح. ينبغي على البلدين تحديد سبل التكامل بين قدراتهما، حيث تتميز اليابان في الدفاع الجوي والصاروخي وبناء السفن، وهي مجالات تحتاج أستراليا إلى تعزيزها، بينما تتفوق أستراليا في الأمن السيبراني والاستفادة من موقعها الجغرافي البعيد عن الصين، مما يمنح اليابان مزايا استراتيجية.

على الرغم من أن الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين البلدين تطورت في السنوات الأخيرة لتشمل التزامات استشارية في أوقات الأزمات الإقليمية، فإن التنسيق العملي لا يزال في مراحله الأولية. وغالبًا ما تنتهي المناقشات حول التعاون الثنائي عند تحسين قابلية التشغيل البيني بين قوات البلدين، دون توضيح الهدف النهائي لهذا التعاون.

في إطار برنامج الحوار والتبادل بين اليابان وأستراليا الذي استضافه مركز الدراسات الأمريكية ومؤسسة اليابان بين يوليو وأغسطس من العام الماضي، ناقشت مع خبراء يابانيين وأستراليين قضايا الأمن، بما في ذلك سيناريوهات الطوارئ بشأن تايوان. رغم تأكيد الجميع على ضرورة تعزيز التعاون الدفاعي والاستعداد المشترك لمواجهة أي أزمة، لم يكن هناك وضوح كافٍ حول كيفية تحقيق هذا التنسيق عمليًا.

ترجع هذه الضبابية إلى عدة عوامل، منها محدودية معرفة اليابان بقدرات أستراليا الدفاعية، وتركّز الجهود اليابانية على تنفيذ السياسات القائمة دون استكشاف فرص استراتيجية جديدة. أما في أستراليا، فإن قلة الخبراء المتخصصين في الشؤون الأمنية اليابانية والانشغال بالإطار الثلاثي الذي يشمل الولايات المتحدة يحدان من التفكير العميق في التعاون الثنائي.

في نوفمبر الماضي، أعلن وزراء الخارجية والدفاع في البلدين عن سعيهم إلى تحديد نطاق التعاون وأهدافه، في خطوة تهدف إلى تعزيز الردع الجماعي. إلا أن هذه الجهود لا تزال عامة وغير محددة، مع غياب نقاش استراتيجي موسع بين الخبراء حول التفاصيل العملية لهذا التعاون.

التكامل الدفاعي: من تعزيز القدرات إلى سد الثغرات

عادةً ما يأخذ التعاون الدفاعي بين الدول ذات القدرات العسكرية المتكافئة شكلين رئيسيين: التجميع العسكري، الذي يعزز القدرات القتالية المشتركة، والتعاون التكميلي، الذي يسد الثغرات من خلال الاستفادة من نقاط القوة لدى كل طرف.

حتى الآن، ركزت اليابان وأستراليا على تحسين التشغيل البيني لقواتهما، لكن ذلك وحده لا يكفي لمواجهة التحديات التي يفرضها التفوق العددي الصيني، حيث تمتلك الصين حوالي 1100 طائرة مقاتلة وأكثر من 140 سفينة حربية رئيسية، مقارنة بـ 300 مقاتلة و52 سفينة لليابان، وحوالي 100 مقاتلة و26 سفينة مخطط إضافتها للأسطول الأسترالي. وبالنظر إلى هذا التفاوت الكبير، فإن مجرد دمج القوات لن يحقق تغييرًا استراتيجيًا ملموسًا دون تنسيق أعمق مع الولايات المتحدة.

لذلك، هناك حاجة ماسة إلى التعاون التكميلي، حيث تختلف الأولويات العملياتية لكل من اليابان وأستراليا رغم مواجهتهما لنفس التهديدات. تركز اليابان على بحر الصين الشرقي والمحيط الهادئ الغربي، بينما يمكن لأستراليا تأمين خطوط الاتصال البحرية في المحيط الهندي وجنوب المحيط الهادئ وقطع خطوط الإمداد المعادية. وهذا من شأنه تأمين وصول اليابان إلى الموارد الحيوية والذخائر، مما يعزز قدرتها على الصمود في مواجهة البحرية الصينية، وهو أمر حيوي أيضًا للأمن الأسترالي.

تبادل القدرات: الأمن السيبراني والدفاع الجوي والصاروخي

من الناحية الوظيفية، لدى اليابان وأستراليا نقاط قوة ونقاط ضعف يمكن للطرف الآخر تعويضها. تواجه اليابان تحديات في الأمن السيبراني والاستدامة اللوجستية، بينما تفتقر أستراليا إلى دفاع جوي وصاروخي متكامل (IAMD) وصناعة سفن فعالة.

لحسن الحظ، تمتلك اليابان أساسًا قويًا في الدفاع الجوي والصاروخي وبناء السفن، بينما تتميز أستراليا بخبراتها في الأمن السيبراني وقاعدتها اللوجستية القوية بفضل موقعها الجغرافي. ومن خلال زيادة التدريبات المشتركة، وتوحيد المعدات والأنظمة، والاستثمار المشترك في الصناعات الدفاعية، يمكن للبلدين بناء منظومة دفاعية أكثر تكاملًا ومرونة.

التعاون الدفاعي المشترك: خطوات على الطريق

بدأت ملامح التكامل الدفاعي بين اليابان وأستراليا تتشكل بالفعل. فمن الناحية الجغرافية، كان هناك تعاون غير مباشر بين البلدين منذ أوائل الحرب الباردة بسبب الاستراتيجية البحرية الأمريكية. أما من الناحية الوظيفية، فقد شهد التعاون تقدمًا ملموسًا في السنوات الأخيرة.

في اجتماع وزراء الدفاع الثلاثي في نوفمبر 2024، ناقشت أستراليا واليابان والولايات المتحدة التعاون في أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي. ومن المتوقع أن يبدأ التعاون في بناء السفن إذا اختارت أستراليا تصميم فرقاطاتها الجديدة بناءً على الطراز الياباني “New FFM”. كذلك، تتوسع الشراكة في الأمن السيبراني من خلال التدريبات المشتركة بين الدول الثلاث.

لكن يبقى التحدي الأكبر أمام اليابان هو قدرتها على تحمل صراع طويل الأمد، إذ إن أحواض بناء السفن ومصانع الذخيرة اليابانية تقع ضمن مدى الصواريخ الصينية، مما يجعلها عرضة للاستهداف. لذلك، فإن التعاون الصناعي الدفاعي القوي ضروري لتعزيز القدرة على الصمود في حالات الطوارئ. بالإضافة إلى بناء السفن، ينبغي أن يتوسع التعاون ليشمل إنتاج الذخيرة وتخزين المعدات العسكرية المتقاعدة في أستراليا لاستخدامها عند الحاجة.

نحو شراكة دفاعية أكثر تكاملًا

لإنجاح هذا التكامل، يحتاج البلدان إلى دعم قوي من مجتمعاتهما الاستراتيجية. يجب أن تحدد القيادات الدفاعية اليابانية والأسترالية بوضوح الهدف النهائي لهذا التعاون، وأن تسعى لاستغلال الفرص التي تخدم هذا الهدف.

عبر بناء نموذج دفاعي تكاملي، يمكن لليابان وأستراليا تعزيز الردع الإقليمي بفاعلية أكبر، مما يسهم في تحقيق الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

المصدر: