شارك مع أصدقائك

النص العاقر – ثقافة وفنون

بقلم الشاعر/ وديع شامخ – رئيس تحرير مجلة ألف ياء

النص عموماً أكان شعراً أم سرداً، فكراً وجمالاً، يكون حصيلة شراكة بين المنتج “الكاتب” والقارئ، في مفهوم التلقي .

ومن هذه العلاقة سوف يكون على الكاتب مسؤولية عالية في كتابة نص يوفر للقارئ لذة قرائية خاصة،

رولان بارت

وحسب رولان بارت “لذة القراءة”،  كما أن على القارئ أن يتوافر على قدرة كشف وفحص نقدي عند  قراءة نصوص جمالية عالية، بوصفه قارئاً متأنياً “أرستقراطيا” حسب بارت أيضاً.

كيف للمنتج أن يوفر متعة جمالية ولذة قرائية، إن لم يكن حراً أولاً، غير مؤدلج، ولا مسيس، ولا موظفاً بكل

التسميات عند جهة ما، ثم إن على الكاتب أن يكون قارئاً شغوفاً  للمتون الفلسفية والفكرية العميقة التي تهيأ

له خلفية عميقة لرؤية الوجود وقابلية طرح أسئلة كونية وجودية حول المصير الانساني وما يرشح عنها من قلق وتحديات وتقاطع مصائر.

على المنتج الابداعي أن يتسلح بتجربة عقلية وعملية معا ، لأن التجربة الحياتية ليس كافية لفهم المعادلة

 دون  الوعي بها، اي أن  وعي التجربة هو الذي يصنع الثورة حسب  كارل ماركس “الفقر لا يصنع ثورة وإنما

وعي الفقر هو الذي يصنع الثورة”، والثورة هنا النص الذي يمنح القارئ وخصوصا القارئ المنتج لذة القراءة

واستكشاف عوامل الحفر في الإشارات والرسائل النصية التي يبثها  الكاتب .

وبهذه المعادلة المتوازنة بين المنتج والقارىء يمكن ان يتوافر فضاء الاتصال الصحي لإنتاج نص يوفر “لذة” للقارىء الشريك

اللسان المُحبّر وفيلسوف النباح

الحرية، كما يراها غاستون باشلار، ليست مجرد نزوع إنساني شامل، بل هي “لحظة ميتافيزيقية” تحدث في لحظة الخلق الإبداعي. في هذه اللحظة، يكون الإنسان متحررًا تمامًا من مرجعياته ومعارفه ومخاوفه، مما يسمح له بإنتاج النص “النقي” الذي يعكس جوهر روح الكاتب وأصالته في رسالته الإبداعية. هذا النص النقي هو خلاصة الإبداع الذي ينبثق من روح الكاتب الحرة تمامًا.

الكاتب المحرر والكاتب تحت وصاية السلطات

عندما لا يكون الكاتب متحررًا، يصبح “اللسان المحبر” الذي يكتب تحت تأثير وصايا وحماية السلطات، كما يقول رولان بارت. هذه النصوص التي يتم إنتاجها تحت هذه الظروف تكون “عقيمّة”، وتولد ذائقة ثقافية هابطة، مشوشة، وقلقة. يتلقى القارئ هذه النصوص وهو خاضع لشروط منتجها وسلطة فضاء التواصل القمعي الذي تحكمه تلك السلطات. في هذا السياق، يظهر الفرق الجوهري بين الكاتب الحر والقارئ الذي يكتشف لذة ومتعة الرسالة الجمالية والفكرية، وبين الكاتب المعلب والقارئ المُستهلك الكسول.

الفيلسوف الباحث عن الإنسان

بين الكاتب الحر الذي يخلق نصوصًا ذات رسائل فكرية وجمالية، وبين الكاتب الذي يكتب نصوصًا عادية لا تحمل قيمة حقيقية، هناك دور مهم للفيلسوف. الفيلسوف هو الذي يبحث عن “الإنسان” أولاً، قبل كل شيء، وهو الذي يساهم في تحريك الوعي الفلسفي والنقدي لدى الجمهور. وهنا، نستدعي فيلسوفًا غريبًا وجريئًا في أفكاره، وهو “ديوجين الكلبي”.

ديوجين الكلبي: الفيلسوف الذي يبحث عن الإنسان

كان ديوجين الكلبي فيلسوفًا مبتكرًا في الحوارية مع الآخرين، حيث قام بتأسيس الفلسفة الكلبية التي تحمل قيم الحكمة والعدالة والجمال. كان يسير في النهار حاملاً فانوسًا، واعتبر هذا الفانوس علامة فارقة له. وعندما كان يسأله الناس عن سبب حمله الفانوس في وضح النهار، كان يجيب بحكمة وألم: “أبحث عن إنسان”. وهذه العبارة تلخص جوهر فلسفته التي تدور حول البحث عن الإنسان الحقيقي في عالم مليء بالزيف والانحراف.

الفلسفة الكلبية والحرية

دُفن ديوجين في قاع “برميل” وعاش حياة تقشفية صوفية، ورغم ذلك كان يحمل رسالة قوية تعبر عن الحرية التي لا يمكن تحقيقها إلا في فضاء يتسم بالعدالة والجمال والسعادة. كان يرفض القيود الاجتماعية والسياسية التي تحكم الإنسان، وكان يقف ضد ما يعتبره ظلمًا أو فسادًا. وهذه المواقف التي اتخذها ديوجين، سواء في حياته الشخصية أو في خطاباته، جعلته يمثل تجسيدًا حيًا للفلسفة التي تربط بين الفضيلة والسعادة.

ديوجين وخصومه: انتقاد المجتمع والفلاسفة

كان ديوجين يعتبر نفسه “فيلسوف النباح”، ينبح ضد قبح العالم الذي يحيط به. كان ينتقد بلا رحمة الفلاسفة، الملوك، والعامة، ويقف مدافعًا عن الكلبية الدافئة التي تعبر عن الفضيلة والسعادة. في مواقفه مع الإسكندر الكبير، تجلى ديوجين في صرامة موقفه، حيث عبر عن قيمه الفلسفية من خلال مواقفه الطريفة التي أكدت على نبل وصرامة خطابه.

خلاصة

حين  نشهد ُمنتجاً ” ينبح”  جماليا  بوجه قارئ ومجتمع كسول ،  يحتاج الى مسكّنات ” نصية ”  لاكمال دورة

عبوديته في الحياة ،  سوف تُنتج نصوصا عالية القلق والجمال حيال هذا اليقين المُقنع ..

الكتابة لها شروطها التي تنتب من داخل حقلها ومن روح وعقل منتجها ، دون وصايا ولا شروط ..

مثلما كان  يرى في المسرح “ انطوان ارتو ” بانه طاعونا في العدوى الجمالية .

” لذة القراءة”    عملية ينتجها الكاتب والقارىء معا في سرير الإبداع