شارك مع أصدقائك

تواجه صناعة المعادن الحيوية في أستراليا مرحلة حاسمة، إذ تزداد أهمية دورها في تأمين سلاسل التوريد بعيدًا عن الهيمنة الصينية، خاصة في ظل إعادة الولايات المتحدة تشكيل سياساتها الصناعية. لضمان مستقبل هذا القطاع، يجب على أستراليا العمل مع حلفائها، مثل الولايات المتحدة، لضمان دعم سياسات التجارة الأمريكية لمساعيها في تطوير سلسلة القيمة المضافة للمعادن. كما ينبغي أن تعتمد استراتيجية تحافظ على استدامة الإنتاج خلال فترات الركود الاقتصادي، وتربط سياسات المعادن الحيوية بالدفاع والصناعة بشكل أكثر تكاملاً، مع الدفع نحو استثمارات متبادلة أقوى، خصوصًا في مجالات المعالجة والتكرير.

رغم مشاركة أستراليا في مبادرات مثل “شراكة أمن المعادن” التي أطلقتها الولايات المتحدة واتفاقية “أوكوس”، فإن النتائج العملية، مثل بناء سلاسل توريد مستدامة، تعتمد على الاستثمارات المستهدفة والتنسيق السياسي الفعّال. تعليق عمليات مناجم النيكل في أستراليا الغربية عام 2024 والتحديات المستمرة في معالجة العناصر الأرضية النادرة والليثيوم تسلط الضوء على نقاط ضعف كبيرة، مما قد يحوّل أستراليا من قوة استراتيجية إلى حلقة ضعيفة في سلسلة التوريد العالمية.

التحديات والفرص في معالجة المعادن الحيوية

تم تأسيس “شراكة أمن المعادن” في يونيو 2022 لتعزيز الإنتاج والمعالجة المسؤولة للمعادن بين الدول الشريكة، حيث كانت أستراليا جزءًا رئيسيًا من هذه الرؤية في عهد الرئيس جو بايدن. لكن مع عودة دونالد ترامب إلى السلطة، تزايدت الشكوك حول استمرارية هذه الشراكة، إذ رغم توجهه لتقليل الاعتماد على الصين، فإن سياساته التجارية الحمائية قد تُضعف دور أستراليا بدلًا من دعمه.

فرض تعريفات جمركية على المعادن المكررة، كما هو الحال مع الألمنيوم، قد يثني أستراليا عن الاستثمار في عمليات التكرير، مما يحدّ من قدرتها على تعظيم قيمة مواردها. ورغم أن أستراليا أنتجت حوالي نصف الليثيوم الخام العالمي بحلول 2023، إلا أنها تفتقر إلى القدرات اللازمة لمعالجته وتحقيق أقصى قيمة منه، في حين تسيطر الصين على قطاع التكرير عالميًا. ولتتمكن أستراليا من المنافسة، تحتاج إلى استثمارات كبيرة، والولايات المتحدة تعد الشريك الأنسب، رغم أن صادرات أستراليا من المعادن الحيوية إليها لا تزال محدودة، مما يقلل من نفوذها.

في 2024، توقفت عمليات خمس مناجم نيكل في أستراليا الغربية بسبب فائض المعروض العالمي وانخفاض الأسعار، مما أدى إلى فقدان العديد من الوظائف وأثار تساؤلات حول استدامة سلاسل التوريد. النيكل يُعدّ معدنًا استراتيجيًا يُستخدم في البطاريات والصناعات الدفاعية، لكن مع هيمنة إندونيسيا، التي أصبحت قريبة من الصين وانضمت إلى مجموعة “بريكس”، فإن تراجع إنتاج أستراليا قد يكون خطأً استراتيجيًا.

بدلًا من انتظار قوى السوق لتحدد مصير صناعة النيكل، كان ينبغي على أستراليا استخدام استراتيجيتها للمعادن الحيوية لعام 2023 لضمان استقرار الإنتاج. كما كان على الدول الشريكة في “شراكة أمن المعادن”، خصوصًا الولايات المتحدة، زيادة استثماراتها في قطاع التعدين والمعالجة في أستراليا.

نحو استقلالية أكبر في سلاسل التوريد

رغم التحديات التي تواجه النيكل، تحقق أستراليا تقدمًا في مجال العناصر الأرضية النادرة، حيث تقوم شركة Lynas Rare Earths بتوسيع منشآت المعالجة في كالغورلي، بينما تطور شركة Iluka Resources أول مصفاة متكاملة للعناصر الأرضية النادرة في إنيابا، بدعم من الحكومة الفيدرالية.

تسيطر الصين على أكثر من 90٪ من عمليات تكرير العناصر الأرضية النادرة عالميًا، واستخدمت قيود التصدير كسلاح جيوسياسي في الماضي. لهذا، فإن تأمين سلسلة التوريد يتطلب استثمارات استراتيجية. ورغم أن أستراليا أطلقت حوافز ضريبية مثل “حافز إنتاج المعادن الحيوية”، الذي يوفر ائتمانًا ضريبيًا بنسبة 10٪ للمعالجة المحلية، فإن غياب صناعة تحويلية متكاملة يجعل المواد المكررة تُرسل إلى الصين، مما يعني أن أستراليا تدعم فقط المرحلة المتوسطة من سلسلة التوريد دون الاستفادة من القيمة المضافة الحقيقية.

التقاطع بين استراتيجية المعادن الحيوية والأمن القومي

تلعب المعادن الحيوية دورًا أساسيًا في الأمن القومي، حيث تعتمد الغواصات النووية على أكثر من عشرة معادن حيوية، مثل العناصر الأرضية النادرة في أنظمة السونار، والكوبالت في البطاريات المتطورة، والتيتانيوم في هياكل الغواصات. كما تعتمد الأنظمة الدفاعية المتقدمة على إمدادات مستقرة من هذه المعادن.

يتطلب تأمين هذه الموارد نهجًا منسقًا، حيث يمكن للولايات المتحدة، عبر “قانون الإنتاج الدفاعي”، إعطاء الأولوية للتعدين والتكرير والمعالجة المحلية للمعادن الحيوية، مما يقلل الاعتماد على واردات من دول قد تكون غير موثوقة. وقد تم تصنيف أستراليا كمصدر محلي للتمويل في 2024، مما يفتح المجال لتعزيز التعاون وتعزيز مرونة سلاسل التوريد.

إذا كانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تعتبران أستراليا شريكًا دفاعيًا استراتيجيًا طويل الأمد، فعليهما الاستثمار في قطاع المعادن الحيوية فيها. يجب أن يكون تحالف “أوكوس” منصة لدعم القاعدة الصناعية الأسترالية، بما في ذلك تطوير عمليات معالجة المعادن الحيوية وتكريرها.

التحرك نحو سياسات أكثر تكاملًا

ترتكز استراتيجية أستراليا في المعادن الحيوية على مجموعة من السياسات والتوجهات الاستراتيجية التي تهدف إلى تأمين سلاسل التوريد، وتعزيز القاعدة الصناعية، وترسيخ موقعها الاستراتيجي، لكن هناك حاجة إلى تنسيق أفضل بين سياسات المعادن الحيوية والدفاع والصناعة والتجارة.

لا يمكن لأستراليا أن تتبنى نهجًا سلبيًا، إذ تتغير سلاسل التوريد العالمية بسرعة. وإذا أرادت أن تكون ركيزة أساسية في أمن المعادن الحيوية للدول الغربية، فعليها اتخاذ قرارات حاسمة، والمطالبة بالتزامات أقوى من حلفائها.

المصدر: